كلمة المحرر
لا
داعيَ لليأس مع الإيمان
إمعانُ
النظر في تفاصيلِ دسائس الأعداء وأنواعِ مؤامراتهم ، ولاسيّما ما يصنعه
الصهيونيّةُ العالميّةُ والصليبيّةُ الحاقدةُ – التي أصبحتِ اليومَ ذيلاً ذليلاً
للصهيونية ورهنَ إشارتها وطوعَ أمرها – من تخطيط بعيد المدى ، لا لضرب الإسلامِ
وحدَه ؛ ولكن لضرب كلّ ما يَمُتُّ إلى الإنسانيّة بصلة ، من قِيَم ومُثُل ، وأخلاق
ومبادئ ، وعادات وأعراف ، وموروثات نبيلة ، وتقاليد شريفة .. إمعانُ النظر في ذلك
قد يجعل المُمْعِنَ يَرْهَب الرهبَةَ كلَّها هذا المشروعَ الجَهَنَّمِيَّ لهؤلاء
الأعداء ، ويروح يظنّ – ولو بشكل مُوَقَّت – أنّه لاسبيلَ لكسر شوكتهم ، وتحطيم
تخطيطهم ، ومواجهة مشروعهم الخَطِر البعيد المدى . ولاسيّما عندما يُقَارِن بين ما
لديهم من وسائل وإمكانات ، وتقدّم علميّ وتكنولوجيّ ، واكتشافات حَبَّارة،
واختراعات لاتزال مُتَّصِلة ، وقدرة عسكريّة مُتَطَوِّرة ، وأسلحة فَتَّاكَة ، وآليَّات
حربيَّة مُدَمِّرة ، ورَخَاء اقتصاديّ ، وسيطرة لاتُزَاحَم على الإعلام العالميّ ،
والنظام البنكيّ الدوليّ ، وجِهَاز الاقتصاد الربويّ ، وأهليّة مُدْهِشَة لابتكار
أَنْظِمَة مُتَنَوِّعة وإطلاق شِعَارَات برَّاقة ، لخداع العالم واصطياده ولاسيّما
المسلمين .. وبين ما يعيشه المسلمون اليوم من واقع مُؤْلِمٍ ؛ ومن حالة انحطاط
وتَرَاجُع ؛ ومن فقر في وسائل المادّة ؛ ومن زهد في الأخذ بأسباب التقدّمِ، وفي
اللَّحَاقِ بركب التقدّم السيّار، وفي مزاحمةِ الأعداء في تقاسم المُعْطَيَات
العلميّة ، وفي سبَاق الإنتاج والصناعة ، وامتلاكِ مَلاَكِ الثقل العالميّ ،
وإدارة الشؤون العالميّة .
ولكنّ المؤمنَ
بالله العظيم الجليل يَعْلَم أنّ الله مُوهِنُ كيدِ الكافرين ؛ وأنّ كيدَ الكافرين
في ضلال عاجلاً أو آجلاً حسب ما يشاء الله وتقتضي حكمتُه ؛ وأن الذين كفروا هم
المكيدون ؛ وأنهم أولياءُ الشيطان وأن كيد الشيطان وأوليائهم كان ضعيفًا؛ وأنّ
الكافرين بطوائفهم كلِّها لايمكرون إلاّ بأنفسهم ومايشعرون ؛ وأنّهم مجرمون حقًّا
وأن الذين أجرموا سيصيبهم صَغَارٌ عند الله وعذابٌ شديدٌ بما يمكرون ؛ وأنّهم
يمكرون ويمكر الله عليهم واللهُ خير الماكرين ؛ وأنّ الذين يمكرون السَّيِّئاتِ
لهم عذابٌ شديدٌ ؛ وأنهم أَمِنُوا مكرَ اللهِ ولا يَأْمَن مكرَ الله إلاّ القومُ
الخاسرون ؛ وأنّه قد مَكَر الذين من قبلهم فلِلّه المكرُ جميعًا ؛ وأنّهم مكرُهم
سيبور كما بَارَ مكرُ الذين سَبَقُوهم من الكَفَرة الشِّداد العُتَاة الطُّغَاة ؛
وأنّ المكرَ السَّيِّءَ لايحيق إلاّ بأهله لا مَحَالَة .
وذلك كلُّه
نصٌّ في كتاب الله الخالد الباقي الذي لايأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه
تنزيلٌ من حكيم حميد، والإيمانُ به مُؤَكَّد لدى المسلمين ، ولا يشكّ فيه إلاّ
الكافرون والمشركون والمنافقون ؛ ولكنّ الشرط الذي يجب أن يَسْتَوْفِيَه المسلمون
هو أن أن يَصْبِروا ويَتَّقُوا . وعندما يلزمون بالأمرين لايضرّهم كيدُ الكَفَرة
الفَجَرَة والمشركين الأنجاس؛ حيث نَصَّ على ذلك قولُه تعالى :
«وَإِنْ
تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا» (آل
عمران/120) .
يقول
الإمام ابن كثير – رحمه الله – في معرض تفسير الآية الكريمة : «يُرْشِدهم – المسلمين – تعالى إلى السلامة من شرِّ الأشرار وكيد الفُجَّار،
باستعمال الصبر والتقوى ، والتوكّل على الله الذي هو مُحِيطٌ بأعدائهم ؛ فلا حولَ
ولا قوةَ لهم إلاّ به ، وهو الذي ما شَاءَ كان ، وما لم يَشأْ لم يَكن . ولا يقع
في الوجود شيء إلاّ بتقديره ومشيئته . ومن تَوَكَّلَ على الله كفاه».
فالمؤمِنُ لا
ييأس من روح الله ، ولا يَقْنَط من رحمته ؛ ولكنه في الوقف نفسه لا يتَقَاعَد ولا
يَتَكَاسل ، ولا يَثَّاقَل عن الأخذ بالأسباب التي تُمَكِّنه من الأرض ، والقوة
التي يُرْهِبُ بها عدوَّ الله وعدوَّه لحدّ مستطاع لديه ؛ لأنّ الله لايُكَلِّف
نفسًا إلاّ وُسْعَها . والأخذُ بالأسباب لايُنَافي التوكُّلَ كما هَدَى إلى ذلك
الأحاديثُ ، وصَرَّح بذلك السَّلَفُ والعلماءُ الراسخون .
فرغمَ كلّ
الدسائس والمكائد من قِبل الأعداء ضدَّ المسلمين ، لاداعيَ لليأس مع الإيمان
والصبر والتوكّل والاهتمام بما يُعْلِي كلمةَ الله ، ويجعل كلمةَ الذين كفروا
السُّفْلَى . [التحرير]
*
* *
مجلة الداعي الشهرية
الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ذوالقعدة 1428هـ = نوفمبر – ديسمبر 2007م
، العـدد : 11 ، السنـة : 31.